الخميس، 9 أكتوبر 2014

عنها أحدثكم









"البدايات أحياناً تحمل لنا بوادر قصصٍ جميلة وعلاقاتٍ ذات أساساتٍ متينة لا تهدمها أي عوامل مهما كانت وقلوبٍ تنبض دوماً بالحب".

تعود بي الذاكرة إلى تلك الزاوية العتيقة ، ذاك المقعد الخشبي القديم ، إلى عبق أول لحظةٍ لي معكِ حينما استوحشتُ ذاك المكان الجديد والمخيف وعلى حين توترٍ مني اقتربتِ ومددتِ يدكِ تصافحيني وعلى ثغركِ ابتسامةٌ لطيفة ، عرفتني بكِ  ببساطةٍ حينما قلتِ : " السلام عليكم .. أنا فاطمة.. أنتِ شسمك ؟ " نظرتُ إليكِ بادئاً بشيء من الخوف أحاول استيعاب أن شخصاً ما اقترب مني لاول مرةٍ في مكانٍ لا أعرف فيه سوى ذاتي ، مددتُ يمناي أصافحكِ وأنا أجيب بنبرةٍ حملت التوتر الهادئ : " وعليكم السلام .. أهلاً فاطمة .. أنا لولو " ابتسمتِ بلطف وأنتِ ترحبين بي وتتخذين مكانكِ بجانبي وبعد صمت يسير بدأنا نتحدث حديثنا الأول. 


فاطمة هي باختصار عنوان الوفاء والحب الصادق النقي ، أحبتني بـصدق وبكل تجرد وعلمتني معنى أن أكون " أنا " مجردةً من كل ألقاب ، تشاركنا الصف ذاته ، الدروس ، الضحك والحزن ، المشاعر ، الاهتمامات ، وحتى التفاصيل الصغيرة التافهة شاركتني بها بكل عفويةٍ وسعادة ، لطالما انتظرتني عند بوابة المدرسة صباح كل يوم حتى أدخلها فتمسك بيدي وتجري بي إلى صفها نتبادل الأخبار والأسرار ، لطالما " مقلبتني " هي و " شلة الأنس " بالذات أثناء دروس الرياضيات  _ حيث أكره وقتها جداً _ الدفاتر الصغيرة حيث نملؤها بـ" نكاتنا " ، " رموزنا الخاصة  " ، " أحلامنا " و " أمانينا" ، أتشارك معكِ إهتماماً مشتركاً لكنه خاصٌ بنا، أتبادل معكِ حب القراءة والأدب وكتابة القصص والروايات البسيطة كـبساطة تفكيرنا، العفوية كـعفوية لحظاتنا، أتبادل معكِ دفتراً صغيراً كُنتِ تكتبين به "خربشاتكِ" ثم تريني إياها فأريكِ ما " خربش " قلمي بكل تلقائية وثقة

مرت تلك الأيام علينا ونحن لا نعلم بأن ألماً خاصاً سيزورنا بعدها، قررت أمي ذات يوم نقلي من المدرسة أنا وشقيقتي فلم أحتمل الحضور وفضَّلتُ الغياب ذاك اليوم لأن لحظات الفراق تؤلمني وتحبس الألم والحزن في داخلي سنيناً ، عادت شقيقتي ذاك اليوم حاملةً معها كتاباً حمل عنوان " غادة طيبة " قدمته لي وأخبرتني حينها أنه هديةٌ منكِ ، روت لي كيف كانت ردة فعلكِ حينما علمتِ بالنبأ وطلبت مني قراءة رسالتكِ المخبأة بين ثنايا الكتاب ، أخذتُ أقلّب صفحاتها بـلهفةٍ علَّي أجدها وفعلاً وجدتُها _ ورقةً مطويةً بعنايةٍ معطرة بعطر أخوتكِ وحبكِ _ فتحتُ الورقة وأخذتُ أقرأ ما فيها بتمعن أتفحص حروفها لأجد فيها ألماً وحزناً لـفراقٍ قريب فبكيتُ وأنا أضم الكتاب وأهمس : " لن نفترق لن نفترق ". 

تمر الأيام عجلى لتكتمل 6 سنواتٍ من الانقطاع وكل ذرةٍ بداخلي تهمس بكِ، تبحث عنكِ ، وتناديكِ فتعودين تلبيةً لندائي ويضحك قلبي معكِ وبكِ مجدداً. 

فــاطــمــة.. 

أنتِ معنى الجمال الحقيقي ، الجمال الداخلي ، الجمال المختلف ، أنتِ مثال الطهر والنقاء ، مثال السعادة التي تتغلغل لأعماقي وتأسرني أيما أسر. 

أنتِ حينما أذكرك أشعر بـنبض الفرح  وسلاماً داخلياً يعمرني. 

أنتِ حينما ألتقيكِ ، أجلس معكِ ، أحادثكِ  أنفصل عن ذاتي التي يعرفها المحيطين بي لأكون ذاتي التي تشكلت معكِ والتي تعرفينها . 
كيف لكِ أن تشكلي هذا الاختلاف بداخلي كي يكون موافقاً ومشابهاً لاختلافكِ؟  هذا الاختلاف الذي أبغيه وأحبه لأنه منكِ وفيكِ

كيف لكِ أن تصيري توأماً لقلبي ترافقين كل نبضةٍ به وتصيرين بلسماً لأوجاعه يا جميلة ؟ 

كيف لي أن أنصهر بكِ حتى لا أعود  " أنا " القديمة التي تعرفينها ؟ 

فـاطــمــة .. 

لا أملك المزيد لأقوله عنكِ ولكِ فـببساطة أنتِ بالنسبة لي " كل الناس " و " أغلى الناس " . 

فـاطـمــة ..

أعــدكِ أن أبـقـى تلك الـوفـيـة الـمُـحـبـة التي عرفتها  ، تلك العفوية البسيطة التي أحببتها ، تلك القوية الحكيمة التي أكتشفتها لاحقاً. 

ستجدينني دائماً معكِ لصيقة بكِ ، لا أفارقكِ ، وسأبقى على العهد دائماً


أحــبـــــكِ جــداً جــداً