الجمعة، 17 يونيو 2016

صخبٌ وصخب.







تمايلت الستائر البيضاء الشفافة لذلك المنزل _هاديء الأثاث _ بمداعبات نسمات الهواء البارد لها في ذاك الصباح الرتيب ، باب إحدى الغرف يُفتح ويخرج منه جسدٌ  مرتدٍ جلباباً أبيضاً بقدمين نحيلتين ، على مرآة المدخل تُرِكَت ورقةٌ مطويةٌ بعناية ، يدٌ تمتد ملتقطةً الورقة بين أصابعها وتفتحها ليُقرأ محتواها لبرهةٍ حتى كُرمشت الورقة وأُلقيت أرضاً بحدة ، أعلن ذلك الجسد استسلامه وحزنه وسقطت الذراعين بإهمال على جانبي المقعد ، تنهيدةٌ أظهرت قلة الحيلة فيما حصل " تُرى ما الذي حصل كي يرحل بهذا الشكل المفاجئ !؟ " ، في مساء اليوم الثالث بعد الموقف ورد اتصالٌ من رقمٍ غير مسجل " اليوم هو يومٌ مختلف ... ينبغي أن يكون الجميع حاضراً فيه .. في المساء سيتواجد الوفد وينبغي أن نقوم بالاحتفاء بهم كما يجب ".

لم يُفهم مغزى كلمات المتصل لكن تم تلبية الدعوة وتواجد الجميع في المكان المُعد لمناسبةٍ تبدو " سعيدة " وبعد سويعةٍ تناهت أهازيج الفرح والسعادة قُبيل دخول فتاةٍ بمنتهى الجاذبية والأناقة وعلى وجهها عَلَت ابتسامة خجل وسط نظرات الإعجاب والحسد من البعض ، تقدمت تلك الجميلة بخطواتٍ رشيقة داخل تلك الغرفة الواسعة متصدرةً إياها على أريكةٍ مُذهبة قديمةِ الطراز موزعةً ابتسامتها اللطيفة بوجهٍ مُشع نضارةً ونعومة ، تلك العينان لم تفارقاها كانت تتفحصها كمن يتفحص بضاعةٍ قبيل استلامها ، وسط المباركات لها والاحتفاء بها تناهت أصواتٌ نسائية بـ " الزغاريد " للقادم الآخر وأفسحت النساء المتجمهرات عند الباب الداخلي المجال لمن سيدخل وهن يصفقن وينثرن بتلات الورد في الطريق .

أخيراً ذاك القادم المنتظر دخل بوقارٍ وهيبة خلفه جمعٌ من نسوة العائلة يشيعنه حتى اقترب من الفتاة الجميلة التي وقفت له بدورها محنية الرأس بخجل ، اقترب منها أكثر وأمسك بيديها فقبلهما برقة ثم طبع قبلته الثالثة على جبينها الناعم وهي لا زالت خجلة لم تجرؤ على رفع رأسها تنظر إليه ، جلسا معاً على تلك الأريكة ، كان يبدو عليه أنه يرغب بعناقها لكن الموقف والمكان لا يسمحان له بذلك فتمالك نفسه وهو يشعر بحرج الموقف ، ناولته أمه علبةً سوداء مخملية ففتحها وأخرج منها خاتماً ألماسياً لامعاً ألبسها إياه ثم طوَّق رقبتها الفارعة بعقدٍ ألماسي  نفيس لم يُرَ له مثيل زادت قيمته ونفاسته حالما ارتاح على رقبتها ، والقرطان  والاسورة كان لها نصيب من البهاء والروعة التي سكنت العقد والخاتم ، انتهى من إلباسها طقمها ونظراته تكاد تأكلها تلك الجميلة التي بادلت نظراته بنظراتٍ خاطفة ثم أشاحت بوجهها تضحك بخجل ، تناول كأس عصير من يد شقيقته وتناولت بدورها كأس عصيرٍ آخر من يد أختها بلحظةٍ خاصةٍ جداً سقى كٌلُ منهما كأس عصير لشريكه .

كانت تلك المراسم على رتابتها إلا أنها تعني للعروسين لحظاتٍ خاصة ومختلفة لا مثيل لها لكن تعني لشخصٍ آخر نهاية العالم وانهيار كل شيء قد لا يصلح مجدداً  _ أمرٌ مؤلم  ، مُر لكنه حتمي في بعض الأحيان_ غادرت تلك النفس المكان بهدوء دون أن يلحظ أحد أن ذلك القلب قد جُرِحَ جُرحاً لن يندمل.

في ذلك المنزل صخبٌ وفرح ، وفي داخل ذاك القلب صخب مشاعر تشتكي صرخةً سجينٍ يريد التحرر من سجنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق