الخميس، 24 مارس 2016

فـــضـــاء الـــمـــاضـــــي

                   http://www.portraitsbylarrysnode.com/house3.jpg


شعورٌ غريبُ انتابني حينما زرتُ الدار التي قضيتُ فيها سني عمري أجملها وأزهاها ، بعد عشرةِ أعوامٍ _ كُنتُ فيها بمنأى عن الماضي _ عُدتُ لأشهد تغيراً فيه ، تغيراً أذهلني وخفق له قلبي حتى قلت " ليتني لم أعد " ، لكن وإن لم أعد فذكرى المكان ونبضات السنين تلك تترى أمامي ، طفلةُ كُنتُ فجاريةُ مرحةُ ففتاةُ راشدة تركت أيامها ومضت للمستقبل جاهلةً بما قد يحدث لهم في المستقبل ، ذكرى مؤلمة لكنها حقيقة ، وحينما غادرنا نظرتُ خلفي إلى تلك الدار وبكيت ، بكيتُ بصمت أريد أن أفقد الذاكرة كي أنسى حنيناً استعمر الفؤاد ، أحببت المكان واشتقت له ، تمنيتُ أن أدخل حجرة الماضي التي ضمتني بجدرانها الوردية وستائرها الزرقاء والفراش الأبيض والخزائن البنية كي أقضي فيها شيئاً من تلك اللحظات ، لحظات السلام والهدوء ترافقني شقشقة العصافير صباح كل يوم ، تمنيتُ أن أنزل جرياً إلى الحديقة أجلس فيها وأداعب ورودها بوداعة ، تمنيتُ أن أستلقي وأختي فوق البساط الأخضر مساء كل يوم نراقب السماء نتحدث ونترقب كوكب المريخ تارة وكوكب الزُهرة تارة أخرى حتى تتراءى لنا فنضحك بجذل إذ فزنا برؤيتها أولاً دوناً عن العالم .

صدق الشاعر أبا تمَّام  حين قال :

كمْ منزل في الأرضِ يألفه الفتى          وحنينُه أبداً لأولِ منزلِ


تلك أيامٌ قد خَلَت ، وهل الماضي يعود ، ليت ذلك لكن الماضي مضى لا عودة له... لا عودة له أبداً.