الخميس، 15 سبتمبر 2016

ســجــى








على أعتاب ذاك الزُقاقِ القديم _حيث لا حياة واضحةً فيه _ جلست تلك الطفلة ذات الثياب الرثة تنتظر ما تجود به  جيوب المارَّة في الطريق ، بسطت كفها المتفحمَّة من أثر حريق منزل أسرتها تنظر في اللاشيء تتذكرهم ، تتذكر أختها الوسطى " أفنان " وشقيقها الصغير " سامح " ذا العامين ، تذكرت شجرة التفاح  في أقصى البستان حيث اعتادت أن تلعب تحت فيئها أو تبني من التراب قصرها الافتراضي ، تذكرت أنها حينما تجوع تقطف تفاحة وتلتهمها بشراهةٍ كي تملأ معدتها الصغير فيكفيها يومها كله ، تذكرت موسم الحصاد حينما تساعد أسرتها في قطف الفاكهة من بستانهم وفي لحظاتِ صفاء تشاغب أختها أفنان فتضحكان بصفاء نفسٍ وسعادة ، تذكرت رائحة الورد التي تطوق سياج بيتهم البسيط كل صباح مع رائحة الخبز العابقة من الفرن حين تعدها أمها.


حياةً بسيطة في بيتٍ أبسط لكن حدود الرضا والسعادة الذي يغمر تلك الأسرة لا ينتهي لكن في لحظةٍ غاشمةٍ تسللت رائحة البارود عليهم وفجرَّت المنزل على حين غِرَّةٍ منهم وهم نائمون ، مسكينةُ " سجى " لم تعد تلك الطفلة السمراء الماتعة بلحظات السعادة في وجهها ، لم تعد أمها الحنون موجودة ولا شقيقتها المُحبة أفنان أما الصغير سامح فهو مفقودٌ تحت الأنقاض ، اشتاقت لهم الصغيرة سجى وافتقدت دفء الأسرة وحبها ، همست بين دموعها الحرَّى " أحن إلى خبز أمي ، وفاكهة المزرعة ، أحن لشجرتي ولقصري الترابي تحته " ، كفكفت سجى دمعاتها ومعها كفكفت تفاصيل ماضٍ جميل خائفةُ من المستقبل ومتوجسةُ من الحاضر لكن كل هذا انتهى بلمسةِ يدٍ حانية ضمت كفها الصغيرة وقبلتها لتنظر وتجد سيدةً جميلةً أنيقة تنحني ناظرةً إليها بشفقةٍ وحنان هامسة بابتسامة رفق : " لِما أنتِ هنا يا صغيرتي ؟ "  بعد برهةٍ صمتٍ أجابت الفتاة كمن أمسك بطوق نجاةٍ ينقذها من الغرق : "  فقدتُ أمي ، أفنان ، سامح " طفرت دمعتً حزنٍ من عين السيدة فضمت الصغيرة إليها هامسةً في أذنها : " أنتِ لستٍ وحدكِ . " ، ثم نهضت ومشت آخذةً الصغيرة معها في سيارتها الفارهة التي تحركت إلى حيث سيتغير مصير الصغيرةً بأسره.